تابعت خطاب جلالة الملك حفظه الله باهتمام في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة، ولقد لفت انتباهي بعض العبارات التي ركز عليها جلالته بشكل كبير منها: «أن تحديث المسارين السياسي والاقتصادي لا يكتمل دون إدارة عامة كفؤة» وكذلك قول جلالته» «إن الأوطان لا تبنى بالمخاوف والشكوك والمستقبل لا مكان فيه للمحبطين واليائسين».
فإذا كنا نتفق جميعاً مع ما قاله جلالة الملك، فإنني أفهم أيضا من هذا الخطاب الملكي، بأننا لا نمتلك أيضاً ترف الوقت، وحاجتنا لتسريع عجلة الإصلاح الاقتصادي والسياسي والإداري، وربطها في جداول زمنية مرتبطة ببرامج وخطط ودراسات وتوفير بيئة ملائمة من التشريعات التي تسهم جميعها في تسريع عجلة دوران التنمية بمختلف مسمياتها. ولا يمكن تحقيق ذلك في جميع الأحوال ما لم يكن لدينا العنصر البشري الذي لديه القدرة والقبول على احداث التغيير، وإلا أصبحنا أشبه بمن اعتاد على قيادة مركبته القديمة ولا يرغب بمركبة حديثة بسبب خوفه من ?لتحديث وثقته في قدرته على قيادتها.
كنت قد كتبت سابقاً بصحيفة الرأي مقالا بعنوان (الايادي المرتجفة) وقد اصبح هذا المصطلح يتردد على لسان الكثير من السياسيين والمحللين، تناولت فيه شريحة من موظفي الإدارة العامة اسميتهم أصحاب الايادي المرتجفة، وأقصد بهم هؤلاء الذين يخافون من اتخاذ القرار اما بسبب ضعفهم أو خوفهم من تحمل المسؤولية، أو لأنهم يشككون في كل شيء، ويؤمنون بنظرية المؤامرة، فكما يقال بالعامية كلمة (لا أعرف بتريح)، لذلك نجد أن إنجاز المعاملات لديهم تحتاج إلى عشرات التحويلات والتنسيبات والتواقيع، كل يرسل للأخر، ومن دائرة إلى أخرى، ومن مسؤول?إلى مسؤول، لا أهمية للوقت عندهم، كل ذلك سببه الخوف من اتخاذ القرار الصحيح، والضحية هو الوطن والمواطن، فكم أضاع هؤلاء على الأردن بسبب البيروقراطية الادارية المئات من المشاريع والمنح بسبب هذا العقم الاداري، بل وكم تسبب هؤلاء بخسارة الملايين في الدعاوى المرفوعة بحق الادارات المختلفة بقضايا مثل: العطل والضرر، وفوات المنفعة، وأجر المثل وغيرها من الدعاوى التي ترفع بحق مؤسسات الدولة بسبب هذا التقصير المعطوف على مسؤول جبان يخاف من اتخاذ قرار او يعطل قرارا ادارياً.
وكما يقال الشيء بالشيء يذكر، هناك فئة أوسع انتشاراً في الادارة العامة، وهم كثر ومن ضمنهم الفئة السابقة وهم الذين يمارسون أعمالهم من باب الحفظ وليس الفهم، وتلك الفئة لديهم ميزة جديدة بانهم مخلصون للعمل النمطي في أداء واجباتهم فهم يحفظون الإجراءات ولا يفهمون معناها يتعاملون مع الشكل وليس المضمون، ولذلك يتعاملون مع الاوراق والوثائق المطلوبة بأنها مسلمات بغض النظر عن أهميتها أو حاجتها على مبدأ «هكذا وجدنا آباءنا كذلك يفعلُون»، وهؤلاء اكثرهم كرهاً للتغيير والتحديث لأنهم بالضرورة يحتاجون إلى اعادة الحفظ من جديد،?وهم يتقبلون التغيير التدريجي لانه أسهل عليهم بالحفظ.
لا شك أن هناك أسباباً عديدة لوجود هذه الفئة من العاملين في مختلف مؤسساتنا، ولا يتسع المقام للحديث عن تلك الأسباب بالتفصيل ولكن من المؤكد أن هناك أيضاً فئة لا يستهان بها من المستنيرين والمبدعين في إدارتنا يفهمون ويحفظون ما يعملون.
أستاذ القانون الدولي العام